تروي هذه الحكاية قصة عامل فلاحي كان في يوم من الإيام يحرث أرض سيده فعلقت سكة المحراث بشيء غريب في الأرض، فحفر قليلا فوجد إناء من الفخار، فنزع عنه التراب فإذا بها قلة مملوءة لآلِئّ فأرتبك و نظر يميناً وشمالاً، فلم يجد أحدا، فأعادها في الحال إلى مكانها وغطاها بالتراب وعاد إلى حرثه وكأن شيئا لم يحدث، حتى حل المساء، ولمّا حلّ الظلام أخذ القلة و وضعها على حماره و عاد إلى منزله، و لمّا وصل إلى بيته، قام بحفر حفرة تحت الحائط واخفاها هناك.
في البداية قرر أن لا يخبر أحداً بذلك، وقال في نفسه: “لن أظهر أيّ شيء في الوقت الحالي، حتى إنتهاء هذه المدة، وحتى أجد فكرة حكيمة لتفادي المشاكل.”
ولكن زوجته كانت عزيزة على نفسه وهي شريكة حياته، فلم يستطع إخفاء هذا الأمر عنها، فقال لها:” يا امرأة لقد أصبحنا أثرياء، إليوم وأنا أحرث الأرض وجدت قلة مملؤة باللؤلؤ، لكن لا تخبري أحداً بهذا الأمر، أما نحن فسننتظر بضعة أشهر هنا ثم نذهب إلى بلدة أخرى نكون فيها غرباء ولا يعرفنا أحد هناك”. ولكن إذا قلت لإمرأة ألاّ تخبر أحداً، فكأنك أوصيتها العكس تماماً، فهي ستخبر الجميع بذلك وسيتفشى الخبر في الجرائد والإذاعات والجميع سيعلمون..
وفي صباح اليوم التالي، ذهبت إلى جارتها وقلت لها” ألم تسمعي بعد؟ زوجي وجد كنزاً في حقل سيده، سوف نصبح أثرياء، لكن أرجوك لا تخبري أحداً بذلك.”
لكن تلك الجارة أخبرت جارة أخرى في الحال، والأخرى أخبرت الأخرى، ثم الأخرى ثم الأخرى، حتى وصل الخبر إلى السيد صاحب الحقل. لمّا سمع السيّد بالأمر جاء مسرعاً إلى بيت العامل الفلاحي، فوجد زوجته هناك، فقال لها: ” أخبرني! كيف يبدو هذا الكنز؟” فأجابت:” بينما كان زوجي يحرث أرضك، وجد قلةً مملؤة باللؤلؤ” فقال لها:” أين وضعها؟” فأجابته: لا أدري، لم يخبرني بذلك”.
في الليل عاد الفلاح إلى بيته، فأخبرته زوجته بأن سيده صاحب الأرض جاء يبحث عن الكنز، وقالت له:” لم أستطع الكذب فالكذب حرام، فأخبرته بأنك وجدة الكنز.” فقال لها:” حسناً فعلت.” ثم تناول عشاءه، وناما، لكنه قضى الليل كله يفكر. وفي الفجر قام وأخذ القلة من المكان الذي وجدها فيه ورماها على العربة وقال لزوجته: استيقضي!” فقالت: “إلى أين؟” فأجابها :” نحن الآن اصبحنا أثرياء، لنذهب إلى المدينة، نحن الآن اصبحنا نمتلك كنزاً، لنمضي وقتاً ممتعاً، ولنستمتع قليلاً.” فأجابته: “صدقت، فلنذهب!”
فذهبا إلى المدينة، ولما وصلا ترك زوجته في العربة وأخذ القلة و دفنها في مكان آخر بعد ما أخذ منها لؤلؤتين وعاد إلى زوجته وأخذها إلى مطعم فاخر فطلب أن يحضروا له أطيب وأفخم أنواع الأطعمة، فأحضروا لهم أطعمةً لم يروها من قبل وكذلك أحضروا لهم أجود أنواع الشراب، فأكلا وشربا، ثم قال لها:” لنعد إلى البيت الآن” وقبل أن يذهبا إشترى خبزاً وأخفاه في كيس وركبا العربة وذهبا، وفي الطريق نامت زوجته نوما عميقا، وبينما هي نائمة أخذ الخبز وقام بقطعه الى قطع صغيرة، و أخذ يرمي زوجته بقطع الخبز، فاستيقظت فجأةً، ثم نامت، فأعاد يرميها مرة أخرى واستمر برميها، فاستيقظت وقالت: ما هذا!؟ فأجابها:” لا شيء إن السماء تمطر خبزاً. وفي الحين وصلا قرب أرض السيد وكان الليل قد خيّم، فسمعا صوت نهيق حمير، فاستيقظت زوجته مرة أخرى وقالت “ما هذا” ؟، فأجابها قائلاً: ” لم ارغب في أخبارك من قبل ولكن سيدي استعار مالاً من عند الشيطان، لكنه لم يسدد ديونه، لذلك فإنّ الشيطان يأتي كل ليلة ويشرع في ضربه، وأنت الآن تسمعين صراخه” ولأنها كانت ثملة وتحت تأثير النعاس فإنّها لم تفرق بين صوت نهيق الحمير وصوت الإنسان. وحين وصلا إلى البيت أمرها أن تختبئ في القبو، فقالت: “ما الأمر؟!” فأجابها:” لم أرد أن أخيفك، لقد سمعت خبراً في البلاد ولم أود أن أخيفك، لقد سمعت أنّ جنود العدو غزت البلاد، اذهبي و أختبئي واغلقي الباب بإحكام، سأقوم بما في وسعي فعله، سأصعد فوق سطح البيت بالبندقية وسأتصدى لهم” فذهبت واغلقت على نفسها ونامت، وبقى هو خارجاً يقوم بضجيج كبير، وكأنه في معركة حقيقية بالفعل، وكان أحيانا يرمي بحجارة على سطح المنزل… وبقي يقوم بذلك حتى طلوع الفجر، ثمّ طرق الباب وقال” لقد انقذنا البلاد، لقد قتلت منهم مائتي جندي، لقد اخذوا موتاهم وذهبوا بعيدا” فقالت:” رغم أني كنت في حالة نوم البارحة إلاّ أني سمعت حقاً ضوضاء المعركة “.
وفي النهار سمعا صوت ركض حصان، فقال:” هذا سيدي!”
فخرج له وقال:” أهلا بك يا سيدي.” فأجابه: “قبل كل شيء قلّي أين اخفيت الكنز؟”
-“كنز؟؟”
-“نعم الكنز أين هو ؟”
-“كنز؟! أيّ كنز؟”
-“الكنز الذي وجدته في حقلي؟”
-ليس لديّ علم بوجود أي كنز.
فنادى السيد زوجة الفلاح وقال لها:
-“تعالي يا امرأة، ألم تقولي بأنّ زوجك وجد قلةً مملؤة باللؤلؤ؟”
فأجبته:
-“نعم يا سيدي، وقال لي بأن لا أخبر أحداً، لكني أخبرتك لأني كنت خائفة.”
فأجابها الفلاح:
-“متى صار ذلك، ليس لي علم بأي كنز.”
فأجابت:
-“لقد وجدت الكنز في اليوم الذي سبق اليوم الذي أمطرت فيه السماء خبزا.”
فأجاب السيد:”
-“ماذا؟! السماء تمطر خبزاً؟ متى حدث ذلك؟”
-“ليلة البارحة، و أيضاً جاء جيش العدو ليغزونا وأنتصر عليهم زوجي وقتل منهم 200 رجلاً ؟”
-“متى حدث كل هذا؟؟ هذا هذيان!
-“البارحة، هل نسيت أيضاً أن الشيطان قام بضربك فأصبحت تصرخ كالحمير.”
-“ماذا!!!”
فأجابه الفلاح قائلاً:” يا سيدي دعك من ترهاتها، دعك منها فهي ناقصة عقل، هل تصدق خرافات تلك المعتوهة؟؟ “. عاد السيد إلى بيته بعد أن رأى ذلك، وأما الفلاح فأخذ زوجته وذهب إلى بلدة بعيدة لا أحد يعرفهم فيها، وشرع في شراء دكاكين ومنازل، وأصبح تاجراً عظيماً.